[رؤية النبي صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته التي خلقه الله عليها]
وقوله:{فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى}[النجم:٦ - ٧]، يقول القاسمي رحمه الله تعالى: قال الزمخشري: فاستقام على صورة نفسه الحقيقية دون الصورة التي كان يتمثل بها كلما هبط بالوحي؛ وكان ينزل في صورة دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه.
يعني: كان جبريل عليه السلام إذا أتى في صورة بشرية يتمثل في صورة دحية الكلبي؛ لكن في هذه الآية:{ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى}[النجم:٦ - ٧] هذه المرة رآه على صورته الحقيقة وكانت هذه إحدى المرتين اللتين رأى فيهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم جبريل في صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، فما أدري كيف يتخيل لنا هذا هؤلاء الرسامون الذين يرسمون ويخترعون صوراً للشياطين، وتارةً صوراً للجنة، وصوراً لعذاب جهنم، وصوراً ليوم القيامة، وهذا كله غيب؟! فالعقل البشري لا يمكن أن يصل إلى إدراك كنهه مهما اجتهد في ذلك، فكيف يصورون لنا صورة جبريل عليه السلام وقد سد الأفق تماماً؟! فإن كل القبة السماوية امتلأت بصورة جبريل عليه السلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(رأيت جبريل وله ستمائة جناح) فهؤلاء العباقرة كيف يتخيلون لنا وكيف يركبون ستمائة جناح؟! ولكن نقول كما قال أحد العلماء لما أراد أن يعجِّز من وقع في عملية تشبيه الغيب بالمنظور وبالمجسم قال له: صف لي خلقاً من خلق الله له ستمائة جناح، فعجز، فقال له: أضع عنك سبعاً وتسعين وخمسمائة جناح، فالباقي ثلاثة من الستمائة، فتخيل لي خلقاً من خلق الله له ثلاثة أجنحة، كيف ستركب هذه الأجنحة؟! فعجز! فالشاهد: أن سياق الآية هنا يتحدث عن إحدى المرتين اللتين تجلى فيهما جبريل عليه السلام بصورته الحقيقية.
وقوله تعالى:((ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى))، قال بعض العلماء: الفاء فاء السببية، والمعنى الذي تفيده في هذه الحالة هو: أن تشكل جبريل عليه السلام يتسبب عن قوته وعن قدرته على الخوارق.
وهناك قول آخر بأن (الفاء) عاطفة على (علَّمه) في قوله: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}[النجم:٥] يعني: علَّمه على غير صورته الأصلية، ثم استوى على صورته الأصلية.