للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نزول عيسى عليه السلام ثابت في القرآن وفي السنة المتواترة]

((فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)) أي: اتبعوا هداي أو اتبعوا شرعي أو رسولي، أو هو أمر للرسول أن يقول: ((هذا)) أي: القرآن أو ما أدعوكم إليه ((صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)) ((وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ) أي: عن الاتباع ((إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)).

فصل العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى الكلام في هذه الآية يقول: التحقيق أن الضمير في قوله: (وإنه) راجع إلى عيسى لا إلى القرآن ولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى قوله: ((لعلم للساعة)) على القول الحق الصحيح الذي يشهد له القرآن العظيم والسنة المتواترة، هو أن نزول عيسى في آخر الزمان حياً علم للساعة، أي علامة لقرب مجيء الساعة؛ لأنه من أشراطها الدالة على قربها، وإطلاق علم الساعة على نفس عيسى جار على أمرين كلاهما أسلوب عربي معروف.

أحدها: أن نزول عيسى المذكور لما كان علامة لقرب الساعة كانت تلك العلامة سبباً لعلم قربها، فأطلق في الآية المسبب وأريد السبب.

وإطلاق المسبب وإرادة السبب أسلوب عربي معروف في القرآن وفي كلام العرب، ومن أمثلته في القرآن قوله تبارك وتعالى: {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} [غافر:١٣]، فالزرق مسبب عن المطر، والمطر سببه، فأطلق المسبب الذي هو الرزق وأريد سببه الذي هو المطر للملابسة القوية التي بين السبب والمسبب.

والثاني من الأمرين: أن غاية ما في ذلك أن الكلام على حذف مضاف، والتقدير وإنه لذو علم للساعة، أي وإنه لصاحب إعلام الناس بقرب مجيئها لكونه علامة لذلك، وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه كثير في القرآن وفي كلام العرب، وإليه أشار في الخلاصة بقوله: وما يلي المضاف يأتي خلفا عنه في الاعراب إذا ما حذفا وهذا الأخير هو أحد الوجهين اللذين وجه بهما علماء العربية النعت بالمصدر كقولك: زيد كرم وعمرو عدل، تقصد: زيد ذو كرم، وعمرو ذو عدل، كما قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:٢] وقد أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله: ونعتوا بمصدر كثيرا فالتزموا الإفراد والتذكيرا أما دلالة القرآن الكريم على هذا القول الصحيح، فقد قال تعالى في سورة النساء في حق المسيح عليه السلام: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء:١٥٩]، ومعروف أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا ويؤمن بعيسى قبل موت عيسى عليه السلام، وذلك صريح في أن عيسى حي وقت نزول آية النساء هذه.