للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (والذين ينفقون أموالهم ويؤت من لدنه أجراً عظيماً)

{وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا * وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا * إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:٣٨ - ٤٠].

قال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ} [النساء:٣٨] (والذين) عطف على الذين في الآية قبلها.

(ينفقون أموالهم رئاء الناس) يعني: مرائين لهم.

{وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء:٣٨] يعني: كالمنافقين وأهل مكة، {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا} [النساء:٣٨] أي: صاحباً يعمل بأمره كهؤلاء.

{فَسَاءَ قَرِينًا} [النساء:٣٨]، أي: فبئس القرين هو.

قال تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ} [النساء:٣٩] يعني: أي ضرر عليهم في ذلك؟ والاستفهام للاستنكار و (لو) مصدرية، أي: لا ضرر فيه، وإنما الضرر فيما هم عليه من البخل والشح، {وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا} [النساء:٣٩] أي: فيجازيهم بما عملوا.

قال تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:٤٠].

(إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ) أحداً (مِثْقَالَ) أي: وزن (ذَرَّةٍ) ويطلق على أصغر نملة، بأن ينقصها من حسناته أو يزيدها في سيئاته.

الله عز وجل منزه عن هذا القدر الضئيل من الظلم، فلا يزيد في السيئات مثقال ذرة، ولا ينقص من الحسنات هذا المثقال.

ثم قال تعالى: ((وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا))، وإن تك هذه الذرة حسنة -شريطة أن تكون من مؤمن- فإنه يضاعفها، وإن قرئت: (وإن تك حسنةٌ) بالرفع على أن (كان) تامة، وحسنة: تكون فاعلاً فجائز.

قوله: (يضاعفها) أي: من عشر إلى أكثر من سبعمائة، وفي قراءة: (وإن تك حسنةً يُضَعّفْها) يعني: الله سبحانه وتعالى من عدله إذا هم الإنسان بالسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه بها شيء، أما إذا هم بها فعملها ففي هذه الحالة تكتب عليه سيئة.

أما المكفرات فكثيرة جداً التي قد يكفر بها عنه، أما الحسنة فبعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ويضاعف بعد ذلك لمن يشاء فوق السبعمائة ضعف، وفي ذلك قال بعض العلماء: الويل لمن غلبت آحاده عشراته.

يعني: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله عز وجل، والسيئة بمثلها إلا أن يعفو الله عنها، فهذا الرجل عنده رصيد من الخطايا والآثام -التي هي بالآحاد- غلبت العشرات بل المئات من الحسنات، معنى ذلك: أن هذا إنسان مصر على معصية الله عز وجل، ومتفنن في ذلك، حتى إن آحاده غلبت عشراته، فمثل هذا يستحق فعلاً أن يهلك والعياذ بالله، فلا يهلك على الله إلا هالك.

قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)) لا يبخس أحداً من ثواب عمله، ولا يزيد في عقابه شيئاً مقدار ذرة، وهي النملة الصغيرة في قول أهل اللغة، قال ثعلب: مائة من الذر زنة حبة شعير، يعني: المقصود بهذه الآية ضرب المثل بأقل الأشياء، ولا نحتاج إلى التعسف من بعض الناس حيث يقومون بحمل ألفاظ القرآن الكريم على ما استحدث من الاصطلاحات الآتية، كأن يتكلم بعضهم عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، فيقول: القرآن أخبر بأن الذرة ليست هي أصغر مكونات المادة، بل هنا الذرة تنقسم إلى الإلكترونات، أو النيترونات إلى آخره، ويقول: القرآن الكريم يبين ذلك، أين هذا أيها المدعي؟! فيقول: ((لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ)) إلى قوله: {وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ} [سبأ:٣]، أي: أن هناك أصغر من الذرة.

لكن كلمة (الذرة) إذا أطلقت في العرف أو في لغة العرب فإن أذهانهم تنصرف إلى هذا المعنى الصارف الآن.

الذرة بسهولة عند العرب أصغر شيء في نظرهم، حتى إنهم كانوا يقولون: هي النملة الصغيرة، فخرج الكلام هنا على أصغر شيء يعرفه الناس.

ونحن إذا عرفنا ما هو أصغر من الذرة، فهل الله عز وجل يظلم أقل من الذرة؟ الله عز وجل منزه عن الظلم: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

((وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا)) أي: يضاعف ثوابها، ((وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ)) أي: زيادة على هذه الأضعاف، (من لدنه) أي: بما يناسب عظمته على سبيل التفضل.

((أَجْرًا عَظِيمًا)) أي: عطاءً جزيلاً، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً، منها: قوله عليه الصلاة والسلام في حديث الشفاعة الطويل يقول الله عز وجل: (ارجعوا، فمن وجدتم معه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه من النار.

وفي لفظ: (أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، فأخرجوهم من النار، فيخرجون خلقاً كثيراً).

ثم يقول أبو سعيد اقرءوا إن شئتم: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ))).