يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: ((إذ يلتقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد))، قوله:(إذ) منصوب بقوله: (أقرب) أي: نحن أقرب إليه من حبل الوريد في الوقت الذي يتلقى فيه الملكان جميع ما يصدر منه، والمراد أن الله الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، هو أقرب إليه من حبل الوريد في وقت كتابة الحفظة أعماله، فهو غني عن كتب الأعمال؛ لأنه أقرب إليه من حبل الوريد، والله غني عن أن يدون الملكان هذه الأشياء؛ لأن الله سبحانه وتعالى عالم بما كان، وبما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، لا يغيب عنه شيء.
أي: فالمعنى أن الله لا حاجة له لكتب الأعمال؛ لأنه عالم بها لا يخفى عليه منها شيء، وإنما أمر بكتابة الحفظة للأعمال لحكم أخرى، فالحكمة من كتابة الأعمال مع أن الله عز وجل غني عن أن تكتب الملائكة هذه الأعمال: هي إقامة الحجة على العبد يوم القيامة كما أوضحه الله بقوله: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ}[الإسراء:١٣ - ١٤] اقرأ بنفسك كتابك حتى تقوم عليه الحجة، {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[الإسراء:١٤].
ومفعول التلقي في الفعل (يتلقى) والوصف (المتلقيان) محذوف، والتقدير: يتلقيان جميع ما يصدر عن الإنسان، فيكتبانه عليه.