[مناسبة موضع سورة الهمزة لما قبلها وما بعدها من السور]
أما مناسبة هذه السورة لما قبلها وهي سورة العصر: لما ذكر سبحانه فيما قبلها في سورة العصر أن الإنسان سوى من استثنى الله سبحانه وتعالى في خسر: {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[العصر:٢ - ٣]، بين هنا في السورة التالية أحوال بعض الخاسرين على وجه التفصيل، فقال عز وجل:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}[الهمزة:١].
أما مناسبة هذه السورة لما بعدها وهي سورة الفيل: فكأنه لما تضمن الهمز واللمز من الكفرة الذين كانوا يلمزون النبي صلى الله عليه وسلم نوع كيد له عقب ذلك بقصة أصحاب الفيل؛ للإشارة إلى أن عقبى كيدهم في الدنيا تدميرهم، فإن عناية الله عز وجل برسوله صلى الله عليه وسلم أقوى وأتم من عنايته بالبيت، أي: إذا كانت عناية الله لبيته الحرام أدت إلى إهلاك أصحاب الفيل فعنايته بنبيه الذي تهمزونه وتلمزونه أتم وأتم؛ فالسورة تشير إلى مآلهم في الدنيا إثر بيان مآلهم في الأخرى، ويجوز أن تكون كالاستدلال على ما أشير إليه فيما قبلها من أن المال لا يغني من الله تعالى شيئاً، يعني {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[العصر:٢ - ٣]، هؤلاء ليسوا ممن {جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ}[الهمزة:٢ - ٣]، ويتوهم أن النجاة بكثرة المال وكثرة تعداده، وإنما النجاة كما في سورة العصر بالعمل الصالح والصبر عليه.
أو تكون كالاستدلال على قدرته عز وجل على إنفاذ ما توعد به أولئك الكفرة في قوله سبحانه:{لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}[الهمزة:٤]، فالله عز وجل الذي قدر على أن يعاقب أصحاب الفيل في الدنيا بهذه العقوبة الشديدة وهذا الخزي وذلك النكال قادر سبحانه وتعالى بالأولى على أن ينفذ هذا الوعيد المتوعد به في هذه الآية:{كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}.
أما سبب النزول فلم يرد من طريق ثابت أو صحيح سبب مباشر في نزول الآية، لكن حكى بعض المفسرين أقوالاً في أن هذه السورة نزلت في أشخاص معينين.
قال ابن الجوزي: واختلف المفسرون هل نزلت في حق شخص بعينه، أم نزلت عامة؟ على قولين، ويأتي إن شاء الله التفصيل.