سورة الشرح هي السورة الرابعة والتسعون، وهي سورة مكية، وقيل: مدنية، وهذا أقوى، فإن استقرار هذه النعم المعدودة فيها إنما كان بالمدينة النبوية كما لا يخفى، وآيها ثمان.
قال تبارك وتعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}[الشرح:١].
قوله:(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)، أي: ألم نوسعه بإلقاء ما يسره ويقويه، وإظهار ما خفي عليه من الحكم والأحكام، حتى علم ما لم يعلم، وصار مستقر الحكمة، ووعاء حقائق الأنباء.
ما معنى قوله: نفي النفي إثبات؟ معنى ذلك: أن الهمزة نفسها فيها معنى النفي، ثم أتت بعدها أداة نفي وهي (لم)، فنفي النفي إثبات، كما قال الله تعالى:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}[الزمر:٣٦]، وقال أيضاً على لسان فرعون:(أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} [الشعراء:١٨].
وقال الشاعر: ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح إذاً: هذا استفهام معناه التقرير، فقوله: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) فيكون معنى الآية: قد شرحنا لك صدرك، فلذلك عطف على هذا قوله:{وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ}[الشرح:٢].
وأصل الشرح بسط اللحم ونحوه مما فيه توسيع مستلزم لإظهار باطنه وما خفي منه.
واستعمل في القلب الشرح والسعة؛ لأنه محل الإدراك لما يسر وضده، فجعل إدراكه لما فيه مسرة، يزيل ما يحزنه فرحاً وتوسيعاً؛ وذلك لأنه بالإلهام ونحوه مما ينفس كربه ويزيل همه، وبظهور ما كان غائباً عنه وخفياً عليه مما فيه مسرته، كما يقال: شرح الكتاب: إذا وضحه، ثم استعمل الشرح في الصدر، والصدر محل القلب؛ لأن اتساع الشيء يتبعه اتساع ظرفه، ولذا تسمع الناس يسمون السرور بسطاً ثم سموا ضده ضيقاً وقبضاً.