[حكم المسألة بالله تبارك وتعالى]
هذه الآية تدل على جواز المسألة بالله تبارك وتعالى، ووجه ذلك: أنه تعالى أقرهم على هذا التساؤل: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ)).
أما من أداه التساؤل باسمه تعالى إلى التساهل في شأنه وجعله عرضة لعدم إجلاله فهذا محظور قطعاً، كما قال تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة:٢٢٤]، على أحد التفسيرين.
إذاً لا ينبغي امتهان اسم الله عز وجل بأن تدخله في كل صغيرة وكبيرة وفي الأمور الحقيرة، أو الأمور التي ليس فيها تعظيم، بل اجعل اسم الله والحلف باسم الله في الأمور العظيمة التي لها شأن.
فهذا هو الذي يحمل عليه الحديث الوارد بلعن من سأل بوجه الله (ملعون من سأل بوجه الله).
ومن الأدلة على جواز السؤال بالله قوله صلى الله عليه وسلم: (من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه) والشاهد هنا قوله: (من سألكم بالله فأعطوه) لذلك فإن المتسولين إذا عرفوا هذا الحكم ظفروا به، وقد يخشى أن يسيئوا استخدامه، فإنه إذا سألك السائل بوجه الله فيجب عليك قطعاً أن تعطيه، وأن تجيبه تعظيماً لاسم الله تبارك وتعالى: (من سألكم بالله فأعطوه) لا ترده بأي حال من الأحوال.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: (من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بوجه الله فأعطوه).
وعن ابن عمر مرفوعاً والحديث ضعيف: (من سئل بالله فأعطى كتب له سبعون حسنة).
وفي البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع وذكر منها: وإبرار القسم)، يعني: إذا أقسم عليك أخوك أن تبرئ قسمه.
وعن جابر رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: (لا يسأل بوجه الله تعالى إلا الجنة)، المقصود: من سأل بوجه الله في غير بر، أو وصولاً إلى مصالح دنيوية، أو كان ذلك على غير سبيل التعظيم والإجلال.
روى الطبراني عن أبي موسى الأشعري مرفوعاً: (ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله، ما لم يسأل هجراً) أي: ما لم يسأل أمراً قبيحاً لا يليق وهذا الحديث فيه كلام.
وفي الحديث أيضاً: (شر الناس رجل سئل بوجه الله ولم يعط).
قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا))، أي: مراقباً لجميع أحوالكم وأعمالكم فهو يراها ويعلمها، كما قال تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [يونس:٦١] وكما قال تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة:٦]، وفي الحديث: (اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
يقول السيوطي رحمه الله: سورة النساء مدنية وآياتها مائة وخمس أو ست أو سبع وسبعون آية.
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ)) أي: أهل مكة.
((اتَّقُوا رَبَّكُمُ)) أي: عقابه بأن تطيعوه.
((الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)) آدم.
((وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)) حواء، بالمد، خلقها من ضلع من أضلاعه -أي: أضلاع آدم- اليسرى.
((وَبَثَّ)) أي: فرق ونشر ((مِنْهُمَا)) أي: من آدم ومن حواء.
((رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)) كثيرة.
(واتقوا الله الذي تسَّاءلون) -بتشديد السين- فيه إدغام التاء في السين، وفي قراءة بالتخفيف بحذفها أي: (تساءلون).
(به) أي: فيما بينكم، حيث يقول بعضكم لبعض: أسألك بالله، وأنشدك بالله.
((وَالأَرْحَامَ)) (و): واتقوا (الأرحام) أن تقطعوها، وفي قراءة بالجر عطفاً على الضمير في (به) وكانوا يتناشدون بالرحم.
((إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) أي: حافظاً لأعمالكم فيجازيكم بها، أي: لم يزل متصفاً بذلك.
(كان) في مثل هذا الموضع تفيد الاستمرار، ولا تفيد التعبير عن الماضي ((إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) أي: وما زال عليكم رقيباً.