{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} يعني: في أهل الذلة؛ لأن الغلبة لله ولرسوله، كما قال تعالى:{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
فقوله:(فِي الأَذَلِّينَ) لا يعني فقط الذين فيهم وصف الأذلين، وإنما ينسب إليهم أنهم أعظم الناس ذلاً.
والأذلون: جمع الأذل أي: الذين هم أعظم الناس ذلاً، والذل: هو الصغار والهوان والحقارة.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون الذين يحادون الله ورسوله هم أذل خلق الله ذكره تعالى وبينه في غير هذا الموضع، وذلك بذكره أنواع عقوبتهم المفضية إلى الذل والخزي والهوان، كقوله تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ}[التوبة:٦٣]، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[المجادلة:٥]، وقال تعالى:{وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الحشر:٣ - ٤]، وقال تعالى:{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ}[الأنفال:١٣ - ١٤].
((لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي))، المفعول مقدر، أي: لأغلبن أنا ورسلي حزب الشيطان المحادين.
((إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ))، أي: قوي على إهلاك من حاده ورسله، عزيز فلا يغلب في قضائه تبارك وتعالى.
وقد دلت هذه الآية الكريمة كما يقول الشنقيطي رحمه الله على أن رسل الله غالبون لكل من غالبهم.
وقوله:((أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ))، تحمل نفس المعنى الوارد في جملة من الأحاديث، كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم:(وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري).