للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليمين كررت عليه ثلاث فإن حلف وإلا حكم عليه بنفس نكوله ولا ترد اليمين على المدعي هذا إذا كانت الدعوى في المال.

واتفقوا على أنه لا يحكم بالنكول في قتل العمد وجراحه، ثم اختلفوا في حكمه فعند أبي حنيفة أنه يحبس إلى أن يحلف أو يعترف، وعند أبي يوسف يحكم عليه بالدية (١) فالكلام معهم في موضعين: أحدهما: هل يحكم بالنكول بمجرده أم لا، والآخر هل يلزم رد اليمين على المدعي أم لا.

فدليلنا على أنه لا يحكم بمجرد النكول اتفاقنا على أنه لا يحكم به في دعوى دم العمد فكذلك في سائر الحقوق بعلة أنه نكول عن اليمين توجهت على المدعى عليه ولأنه نكول لا يحكم به دم العمد فلذلك في غيره أصله الأول والثاني ولأن البينة حجة للمدعي في إثبات ما يدعيه واليمين حجة للمنكر فيها ينفيه وقد ثبت أن المدعي لو قعد عن إقامة البينة لم يسقط حقه ولم يحكم عليه بضد ما ادعاه فكذلك المدعى عليه إذا قعد عن اليمين لأن المدعى عليه لو أمسك عن جواب المدعي أو قال لا اعترف ولا أنكر ولا أحلف لم يلزمه فهذا حكم وهو نكول على الأمرين عن الاعتراف وعن اليمين فكان بنكوله عن اليمين وحدها أولى.

ودليلنا على وجوب اليمين مع النكول قوله - صلى الله عليه وسلم - في القسامة "أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ قالوا لم نحضر قال: فتبرأ لكم اليهود بخمسين يمينا" (٢) وهذا رد اليمين، ولأن ذلك إجماع لأنه مروي عن عمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب (٣) رضوان الله عليهم ولا مخالف لهم ولأن الأصول موضوعة على أنه لا يحكم للمدعي على سبب واحد وإنما يحكم بسببين كالشاهدين، أو كشاهد ويمين، أو كشاهد وامرأتين، أو شاهد ونكول، فأما النكول وحده فإنه


(١) انظر مختصر الطحاوي: ٣٦٧، مختصر القدوري - مع شرح الميداني: ٤/ ٣٠ - ٣١.
(٢) سبق تخريج الحديث ص ١٣٤٥.
(٣) انظر البيهقي: ١٠/ ١٢٣، ١٧٧، عبد الرزاق: ١٠/ ٣٥، ٤١، والمغني: ٩/ ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>