للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأنصار فمنعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نزل فزادهما فرضيا فصعد المنبر فقال أرضيتما فقالا: نعم (١)، موضع الدليل أنه لم يحكم عليهما بعلمه لما جحدا أن يكونا رضيا، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - امتنع من قتل المنافقين مع علمه بكفرهم وقال: "لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" (٢) وإنما لم يقتلهم لأن الناس لم يعلموا بكفرهم كعلمه، ولأن الحاكم لما كان غير معصوم فقد تلحقه الظنة والتهمة في أن الحكم لوليه على عدوه وأمكن وقوع ذلك منهم وجب حسم الباب: بألا يحكم بعلمه لئلا يدعى عليه بذلك، ولإمكان أن يقع ذلك منه فيلحق الناس أذية منه: فإذا منع أن يحكم بعلمه زالت التهمة في ذلك ويعرض الكلام في الحدود ولأصحاب الشافعي فيها وجهان.

ودليلنا أنه لا يحكم فيها بالعلم، الظاهر والأخبار وقول أبي بكر - رضي الله عنه - لو رأيت رجلًا (٣) على حد من حدود الله ما أقمته عليه حتى يشهد على ذلك أربعة (٤)، ولا مخالف له نعلمه وإن سلموا ذلك قسنا عليه سائر الحقوق، وقلنا إنه حكم بعلم فلم يجز أصله الحدود واعتبارا بعلمه قبل الولاية مع أبي حنيفة، وفي غير مجلس الحكم مع عبد الملك.

[فصل [٤ - في جواز تنفيذ الحاكم الحكم بعلمه]]

إذ ثبت أنه ليس له أن يحكم فله أن ينفذ الحكم بعلمه بعدالة الشهود ويقف عنه بعلمه بفسقهم وليس ذلك حكمًا منه بعلمه بدليل أن لغيره من الحكم أن


(١) أخرجه أبو داود في الديات باب العامل يصاب علي يديه خطأ: ٤/ ٦٧٢، النسائي في القسامة باب السلطان يصاب على يده: ٨/ ٢١، وابن ماجه في الديات باب الجارح يفتدي بالقود: ٢/ ٨٨١، وعبد الرزاق: ٩/ ٤٦٢، والبيهقي: ٨/ ٤٩، بسند صحيح (الهداية في تخريج أحاديث بداية المجتهد: ٨/ ٦٦٦).
(٢) أخرجه البخاري في المناقب باب ما ينهي من دعوى الجاهلية: ٤/ ١٦٠.
(٣) في م: أحدًا.
(٤) سنن البيهقي: ١٠/ ١٤٤، كنز العمال: ٥/ ٥٦٨، المحلى ٩/ ٤٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>