نعم ما كان يليق بمذهب الإِمام مالك أن تكون كتب فقهه مجردة عن الدليل خالية من ذكر الاستنباط والتعليل، ولعل عذر المالكية في ذلك اعتمادهم على أن مُتقدميهم تكفلوا بذلك فسلموا لهم ذلك، ولم يوجد لهم معارض فأخذ الناس الفقه بهذه الطريقة.
ومع الصحوة الإِسلامية المنتشرة حديثًا والدعوة القائمة بالرجوع إلى الكتاب والسُّنَّة. وللفرق بين من يأتي بالعبادة تقليدًا لإمامه بمعقوله، ومن غير معرفة الدليل وبين من يأتي بها، وقد ثلج صدره بعد ما عرفه من دليل الكتاب أو السُّنَّة بحثت في بطون المكتبات الإِسلامية -التي تحفظ لنا مخطوطات تراثنا الإِسلامي- عن كتاب يجمع بين الفقه والدليل، فوقع نظري على كتاب "المعونة على مذهب عالم المدينة" -للقاضي عبد الوهاب البغدادي- فوجدته كتابًا ليس كالكتب بل هو كتاب عظيم، ينافح عن المذهب المالكي بالحُجَّة والدليل والبرهان مؤلفه فقيه مالكي أصولي ضليع بلغ درجة الاجتهاد المذهبي، بل الاجتهاد المطلق -كما صرح بذلك السيوطي-.
ومساهمة متواضعة مني في إحياء التراث الفقهي النافع، وتلبية للحاجة الماسة في إخراج وتحقيق هذا الكتاب، فقد اخترته موضوعًا لرسالة الدكتوراة للاعتبارات التالية:
• أسباب اختيار الموضوع:
١ - يعد كتاب "المعونة" كتابًا جامعًا لأبواب الفقه كلها على مذهب الإمام مالك بن أنس، وفق منهج العراقيين الذي يتميز بسلاسة أسلوبه وسهولة عباراته، وهو مع صغر حجمه غزير العلم، يحتوي على عدد كبير من القواعد والضوابط الفقهية التي تغني عن سرد كثير من الفروع والمسائل الفقهية.
٢ - رجوع الكتاب عصر متقدم -القرن الرابع الهجري- وقيام مؤلفه -القاضي عبد الوهاب- بتحرير فروع المذهب وتوثيق آراء كبار فقهاء المالمكية ابتداء بإمام المذهب الإِمام مالك وأصحابه ابن القاسم، وأشهب ومحمد بن عبد الحكم وغيرهم.