للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونصه على الشعير ليبين مشاركته للبر في ذلك، وإن انفرد بصفة بكونه علفًا وإنه يكون قوتًا حال الاضطرار فنبه على الذرة والدخن وغيرهما، ونصه على التمر (١) لينبه به على كل حلاوة مدخرة غالبًا لأصل المعاش كالعسل والزبيب والسكر وما في معناه، ونصه على الملح تنبيهًا (٢) على أن ما يصلح المقتات من المأكولات في حكمها كالأبازير (٣) وما في معناها فبان صحة ما اخترناه، لأن تنبيهه صلى الله عليه وسلم على العلل من أقوى ما يستدل به عليها، ولأنه قال: "حتى الملح"، فجعله غاية بينه وبين ما نص عليه، وإنما هو غاية لأدناه وليس يضاف بالدناءة إلى الأقوات فقط، ولأن الطعم مراعى عندنا (وغير مراعي عندهم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الطعام بالطعام مثلًا بمثل" (٤) فوجب اعتبار الطعام ولأن التفاضل يحرم) (٥) عندنا في قليل المنصوص عليه وكثيره وعندهم لا يحرم إلا فيما يتأتى كيله فيجوز عندهم الكف من الحنطة بالكفين والعموم يمنعه، وربما سلك في ذلك طريق القياس فقيل: لأن كل جنس حرم التفاضل في كثيره حرم في قليله كالذهب والفضة، ولأن علتهم فاسدة لأنها ترفع الأصل الذي انتزعت منه وهو عموم الخبر في معنى التفاضل، والعلة إذا عادت لمخالفة أصلها وجب فسادها، ولأن الشيء الواحد إذا كان علمًا على حكم لم يجز أن يكون علمًا على ضده والكيل علم (٦) على التحليل فلم يكن علة للتحريم، ولأن علتنا أرجح لأن الربا إنما حرم حراسة للأموال وحفظًا لها، فكان في أغلى المكيلات كما كان في أغلى الموزونات وهو الذهب والفضة.


(١) في (ق): الثمن.
(٢) في (م): ينبه.
(٣) الأبازير: مفردها بزر وهو كل حب يبذر، وقال ابن فارس: هو شيء من الحبوب (معجم مقاييس اللغة: ١/ ٢٤٦).
(٤) سبق تخريج الحديث في الصفحة (٩٥٧).
(٥) ما بين قوسين سقط من (م).
(٦) في (م): علمًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>