والحقيقة أن دلالة القرآن على صدق من جاء به لا تقف في ناحية واحدة، بل القرآن يدل على صحة نبوة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - من وجوه مختلفة، فمن هذه الوجوه: بلوغه في حسن البيان منزلة يحسها البلغاء بعقولهم وأذواقهم، ولا تنالها ألسنتهم ولا أقلامهم.
يشهد لك ببلوغه مرتبة الإعجاز: ذوقك السليم، وبصيرتك النقية، ويؤيد هذه الشهادة: أن الله تعالى قد تحدى به العرب على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء: ٨٨]،. وقال تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: ٢٣]،. تحداهم بالقرآن، ونادى عليهم بالعجز عن أن يأتوا بسورة من مثله، ولم يستطع أحد منهم، وهم المجلون في حلبة البلاغة، أن يتصدى لمعارضته، ولو بمقدار سورة، بل جنحوا إلى مقابلته بالسخف من القول، ووصفه بأنه أساطير الأولين. ولما عرفوا أنه يمتلك ببلاغته النفوس، ويستولي بحكمته على القلوب، لم يكن منهم إلا أن حاولوا صرف الناس عن سماعه، وكانوا يقولون لأوليائهم:{لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}[فصلت: ٢٦].
ومن مزايا القرآن: أنه لا يتناول فناً من فنون الكلام إلا أتى باللفظ الرائع، والأسلوب الفائق، وقصارى الواحد من بلغاء البشر أن يبرع في بعض فنون القول، وإذا وجه قريحته إلى فن آخر، أدركه الضعف، ولم يتجاوز فيه المنزلة المتوسطة أو السفلى.
وإذا حققت النظر في حال الخطباء والشعراء الذين يصبح كل واحد منهم علماً في الفصاحة والبلاغة يشار إليه بالبنان، لم تجد منزلتهم بعيدة من