تحيا الأمة في سلامة أو سيادة، متى حظيت بقوتين عظيمتين، هما: القوة النفسية، والقوة العملية. والقوة النفسية: في استنارة عقولها، وسمو أخلاقها، والقوة العملية: في إتقان فن الزراعة، والبراعة في الصناعة، وإحكام أمر التجارة.
فالزراعة والصناعة والتجارة هي الأصول التي تقوم عليها المدنية الزاخرة، ويحدث عنها ما يجري بين الأفراد والجماعات من المعاملات المالية. فإذا تحدثنا عن المعاملات المالية، وضربنا الأمثال لما يليق منها، وما لا يليق، فإنا نريد: المبايعات التي تقع بين التاجر أو الزارع أو الصاح، وبين من يأخذ منه حاجته بعوض مسمّى.
وقد وجّه الشرع الإسلامي عنايته إلى المعاملات المالية، ووضع لها نظماً تَحفَظُ من أكل أموال الناس بالباطل، وحاط هذه النظم بمواعظ بالغة متى كان في الناس إيمان صادق، وحذرٌ من سوء العواقب.
وليس من غرضنا التحدث عن تلك النظم التي يرجع إليها القضاة عند الفصل بين الخصوم؛ فإنها نظم واسعة النطاق، ولها مقامات غير هذا المقام،
(١) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزآن السابع والثامن من المجلد الرابع عشر.