والدليل على أن ارتكاب الجنايات قد يدفع إليه طغيان الشهوة، أو تخبط الغضب، مع بقاء أصل الإيمان: أن الجاني بعد أن يشبع شهوته، أو يشفي غيظه، قد يعض سبابته ندماً، من غير أن يجدد النظر في أصل إيمانه، أو في حال ما ارتكبه من منكر أو فحشاء.
فالنظر يقضي بأن الولاية على القلوب لا تكفي في صيانة الحقوق وحفظ النفوس والأموال والأعراض، وأنه لا بد من ولاية يكون شأنها تنفيذ قوانين المعاملات والعقوبات، فيمن يطغى به الهوى، أو يتخبطه الغضب، وإن كان من المؤمنين.
فولاية الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت على القلوب، ثم على الأجسام، وكانت ولاية هداية وتدبير لصالح الحياة، وكانت رياسة دينية وسياسية، وكلاهما من عند الله، ولا بعد بين السياسة والدين إلا في نظر قوم لا يكادون يفقهون حديثاً.
* خطأ المؤلف في الاستشهاد بآيات على أن وظيفة الرسول لا تتجاوز حدود البلاغ:
قال المؤلف في (ص ا ٧): "ظواهر القرآن المجيد تؤيد القول بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له شأن في الملك السياسي، وآياته متضافرة على أن عمله السماوي لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معاني السلطان".
ثم ساق في الاستشهاد على هذا: قوله تعالى في سورة النساء: {وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}[النساء: ٨٠]، وقوله في سورة الأنعام:{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}[الأنعام: ٦٦]، وقوله في سورة