والقلب غير العقل، ويمكن في زعمهم اطمئنان الإنسان إلى عقيدتين متناقضتين، يطمئن إلى إحداهما بقلبه؛ لأنها واردة من ناحية الدين، ويطمئن إلى أخراهما بعقله؛ لأنها انساقت إليه بالدلائل العلمية. ولا يلتبس على ذكي أو غبي أن مرمى حديثهم هذا إنما هو سلخ النفوس من كل ما أرشد إليه الدين من علوم إلهية أو أدبية أو اجتماعية.
* عثرة في طريق العقائد:
قال المؤلف في (ص ١٤): "فإن نحن حررنا أنفسنا إلى هذا الحد، فليس من شك في أننا سنصل ببحثنا العلمي إلى نتائج لم يصل إلى مثلها القدماء".
وقع إلينا أن من مريدي (ديكارت) من توسل بمذهبه إلى استخراج نتائج على هوى ذوقه، ومنهم من اتخذه عثرة في طريق العقائد. ونزعة المؤلف ترمي إلى أنه يجري على هذا الأثر، ولا ينشد إلا هذه الغاية، وها هو ذا قد أسهب في كتابه ما شاء أن يسهب، ولم يضع يده على نتيجة، ما خلا عثرات يلقيها في سبيل العقائد، وأقوال يفصلها على قياس أهوائه، وموعدك بحث الفصول القادمة، وما أنت من بحث هذه الفصول ببعيد.
* لا تصلح لمنهج ديكارت إلا البصيرة النافذة:
قال المؤلف في (ص ١٤): "فأنت ترى أن منهج (ديكارت) هذا ليس خصباً في العلم والفلسفة والأدب فحسب، وإنما هو خصب في الأخلاق والحياة الاجتماعية أيضاً".
إن منهج (ديكارت) كمثل منطق (أرسطو) لا يخرج العقل من غسق الجهالة أو الحيرة إلى وضح اليقين أو الرجحان، وإنما يرسم خطة التفكير،