خذ أيها الباحث الحكيم بمجامع نظرك السديد، وجل به جولة بديعة الإحاطة في قوانين الشريعة المقدسة، التي نعت بها الكتاب العزيز. وأرشدت إليها السنة الثابتة، ثم ارجع البصر كرتين إلى الأسباب، أسباب ارتقاء الأمم الحية وبسطها أجنحة الاستعمار في الأرض، ولتكن هكذا كل ذرة من ذرات جسمك عيناً تبصر وأذناً تصغي وفؤاداً يذكر، إلى أن تتأصل في صدرك شجرة الحكمة البارعة، وتتفرع أغصانها تحت طي لسانك، وهلم إلينا من بعدُّ نتجاذب أطراف الأحاديث بيننا بقسطاس صحيح، ولهجة صادقة لا تدخل على الأَحكام إلا من باب الإنصاف، لكيما نعلم عين اليقين أن لا سبيل إلى استيفاء لوازم الحياة الاجتماعية إلا بإقامة قواعد الدين على الوجه الذي اهتدى إليه الخلفاء الراشدون ومن كان على شاكلتهم من السلف الصالح، وهو المثال الذي لا بد لنا من محاذاته ولو بعد حين من الدهر، لأنهم أبناء العصر الذي نزل فيه القرآن، وأُخوان اللغة التي ورد على أساليبها، فهم أعرف بمساقاته وأعرق في فهم مغازيه ممن سواه.
ما تسنى لهم انتهاج تلك الطريقة الواضحة إلا لخلو جامعتهم على
(١) العدد الثاني عشر - الصادر في ١٦ جمادى الثانية ١٣٢٢.