ما أقبح المين قلتم لم يشب أحد ... حتى أتى الشيب إبراهيم عن أَمَمِ
كذبتم ونجوم الليل شاهدة ... أن المشيب قديماً حلَّ في الأُمَمِ
فكأَنه يقول: هذه الرواية الملفقة ليست أهلاً لأن تقابل بغير هذا الرد القائم على الخيال.
ويقرب من تخييل نجوم الليل بالمشيب قولُ أحمد بن دراج القسطلي يصف المجرة:
وقد خيلت طرق المجرَّةِ أنها ... على مفرقِ الليل البهيم قتيرُ
وربما لا يجد الشاعر داعياً إلى مسلك التخييل بعد بسط النفس، سوى التنبيه على ما بين المعاني من المناسبات الخفية، أو مجاراة البلغاء، وإقامة الشاهد على الحذق في هذه الصناعة، ومما يرمي إلى أحد هذين الغرضين: ما يتعلق به الأدباء في وصف بعض المناظر الفطرية؛ كالكواكب، والحدائق، أو الصناعية؛ كالشمعة، والسفينة.
* أطوار الخيال:
كان العرب في الجاهلية يعيشون في مواطن لا يشهدون فيها غير مناظر فطرية؛ كالكواكب، وبعض النبات والحيوان، أو مرافق حيوية، ووسائل حربية؛ كالرحى، والجفنة، والرمح، والحسام، ولصفاء قرائحهم، وسلامة أذواقهم أضافوا إلى هذه الحقائق ما يخطر على ضمائرهم، ويدركونه بحاسة وجدانهم من المعاني التي لا تنالها الحواس الظاهرة؛ كالغضب، والرضاء، والبغض، والمحبة، ونسجوا على مثال التخيل صوراً بديعة.
وإن رأى المدني اليوم أن معظم تلك الصور من التخيلات القريبة،