كاختلاف قراءتي (مالك يوم الدين) بالألف، و {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة: ٤] بغير ألف، فقد أفادت إحدى القراءتين أن الله مالك يوم الدين يتصرف فيه كيف شاء، وأفادت الأخرى أنه ملكه الذي يحكم فيه بما يريد.
أما اختلاف اللفظ والمعنى، مع تضاد المعنيين، فهذا لا أثر له في القرآن، قال أبو محمد بن قُتيبة في "مشكل القرآن": الاختلاف نوعان: اختلاف تغاير، واختلاف تضاد، فاختلاف التضاد لا يجوز، ولستَ واجده -بحمد الله- في شيء من كتاب الله، واختلاف التغاير جائز. ثم ضرب لهذا النوع من الاختلاف أمثلة من الآيات، وأتى في بيان جوازه على ناحية أن كلاً من المعنيين صحيح، وأن كل قراءة بمنزلة آية مستقلة، ولا جرم أن يكون هذا الاختلاف فنّاً من فنون الإيجاز الذي يسلكه القرآن في إرشاده وتعليمه.
والآيات التي سردها المؤلف، منها ما يرجع إلى اختلاف اللغات؛ كآية:{وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا}[الفرقان: ٢٢]. ومنها ما يفيد معنيين كل منهما مستقيم، كآية:{مِنْ أَنْفُسِكُمْ}[التوبة: ١٢٨]. ومنها ما جاء على وجهين، كل منهما فصيح عربية؛ كآية:{يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ}[سبأ: ١٠] أما آية: {غُلِبَتِ الرُّومُ}[الروم: ٢] فنكتفي في الجواب عنها بأن قراءتها بالبناء للمعلوم شاذة، والشاذ ليس بقرآن، وما علينا ألّا يكون له معنى مستقيم.
* أثر اختلاف اللهجات في الشعر:
قال المؤلف في (ص ٣٤): "إنما نشير إلى اختلاف آخر في القراءات يقبله العقل، ويسيغه النقل، وتقتضيه ضرورة اختلاف اللهجات بين قبائل العرب التي لم تستطع أن تغير حناجرها وألسنتها وشفاهها لتقرأ القرآن كما