طريقة أهل الحديث أن يتلقوا العقائد من الكتاب والسنة مؤيدة بما أورده الشارع، أو نته له من الأدلة القريبة المأخذ من العقل، ويتمسكون من العقائد بما كان صريحاً، فإن عرضت لهم آية أو حديث يخالف بظاهره العقائد الصريحة؛ كالآيات والأحاديث التي توهم بحسب ما يظهر من لفظها التشبيه في الذات أو الصفات، اكتفوا بمعرفة أن ظاهره غير مراد، وتركوا الخوض في معناه، ولم يتعرضوا لتأويله.
ولا يتجاوزون في العقائد ما جاء في الكتاب والسنة، فيمسكون عن الخوض في كيفيات تعلقات صفات الله تعالى، وعن تعددها واتحادها في نفسها. وهل هي الذات أو غيرها؟ وفي الكلام هل هو متحد أو منقسم؟ وإذا كان منقسماً، فهل ينقسم بالنوع أو الوصف؟ وكيف تعلق في الأزل بالمأمور مع كونه حادثاً؟ ثم إذا انعدم المأمور هل يفي التعلق به؟ إلى غير ذلك من المباحث التي سكت عنها الصحابة ومن سلك سبيلهم، بل نهوا عن الخوض فيها؛ لعلمهم بأنه بحث عن كيفية من لم تعلم كيفيته بالعقل؛ لكون العقول لها حد تقف عنده، ولا فرق بين البحث عن كيفية الذات وكيفية الصفات.
يكره أهل الحديث الخوض في علم الكلام، والمناظرة في العقائد، ولا سيما مناظرة تقوم على الطرق المحضة، وكذلك نرى أحمد بن حنبل لم يقعد لمناظرة المعتزلة في مسألة خلق القرآن، وكان لا يزيد على أن يقول: القرآن كلام الله، ويمتنع من أن يقول: القرآن مخلوق.
وقال ابن وهب: سمعت مالك بن أنس يقول إذا جاء أحد من أهل الأهواء: أما أنا، فعلى بينة من ربي، وأما أنت، فشاكّ، فاذكره ب إلى شاكّ