الدعوة نوعان: دعوة يُقصد بها إنقاذ الناس من ضلالة أو شرّ واقع، ودعوة يُقصد بها تحذيرهم من أمر يخشى عليهم الوقوع في بأسه.
أما الأولى، فيتحتم القيام بهالأول وقت ممكن، ويلوّح إلى هذا الواجب قوله تعالى:{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}[يس: ٢٠]. فقوله:{مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} إظهار لعناية هذا الداعي، وشدَّة رغبته في الإصلاح حيث لم يثبطه بُعد المسافة عن السعي إليه، والوفاء بحقه. وقوله:{يَسْعَى} تذكرة لدعاة الإصلاح، وإيقاظ لهممهم؛ كي ينفقوا في هذه الغاية وسعهم، ويسارعوا إلى النصيحة جهدهم؛ لأن السعي في لسان العرب بمعنى العدْو والمشي بسرعة.
وأما النوع الثاني من الدعوة، فإن كان مما ينشأ عن تأخيره حرَج، التحق بالأمر الواقع، ووجبت المبادرة إلى الدعوة حسب الطاقة، وإن كان بينك وبين وقوعه فسحة، جاز إرجاؤها إلى زمن الحاجة. وما يقوله بعض أهل العلم من جواز السكوت عن العلم إلى أن يُسأل عنه إنما يحمل على هذا النوع الذي لم يدعُ الحال إلى معرفته في الوقت الحاضر.
حكى القاضي عياض في كتاب "المدارك": أن سحنون وصاحبي عون ابن يوسف، وابن رشيد دخلوا على أسد بن الفرات، فسألهم عن مسألة،