لها من الوساوس، وهدايتها إلى محاسن الأخلاق، ولا سبيل إلى التدبر في آياته وإدراك بلاغته إلا بعلم هذه اللغة.
ولما علم المحققون أن استنباط الأحكام التفصيلية عند الحاجة إليها يجب أن يقوم به طائفة من الأمة. والأحكام إنما تؤخذ من القرآن، وحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكلاهما وارد بلسان العرب، عدوا من فروض الكفاية التبحر في معرفة العربية، وهذا وجه نسبتها إلى الإسلام، وهو الحصن الذي يتكفل بحفظها وبقائها ما بقي دينه القويم.
وإذا كانت العربية رواية نتلقى منها علوم الدين، وبريداً يحمل إلينا علوم الدنيا، فمن واجباتها علينا أن نصرف الهمة في سبيل إصلاحها، ونعدل ألسنة الناشئين بآثارها الصحيحة؛ فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
* حياة اللغة العربية:
كان المؤلف -رحمه الله- أنشأ في رمضان سنة ١٣٣٥ هـ قصيدة في حياة اللغة العربية في أسلوب رواية خيالية، ونشرت في جريدة "الزهرة" الزاهرة، وقد رأينا من المناسب إثباتها هنا إتماماً للفائدة، ونصها:
بصري يسبح في وادي النظر ... يتقصى أثراً بعد أثرْ
وسبيل الرشد ممهود لمن ... يتجافى الغمض ما اسطاع السهر
إنما الكون سجل رسمت ... فيه للأفكار آيٌ وعبر
وإذا أرخى الدجى أستاره ... هب سمعي كاشفاً عما استتر
لست أنسى جنح ليل خفقت ... فيه بالأحشاء أنفاس الضجر
لج بي التسهيد حتى أوشكت ... غرة الإصباح أن تغشى السحر