كتاب الله الذي درسه أولو حكمة لم يأت المؤلف حتى الآن بأثر قيم يجعله شيئاً مذكورًا في حسابهم. ماذا صنع علماء العربية، ومن أفرغ قريحته في تفسير القرآن منهم؟ ألم يتفقه أولئك الحكماء في معاني الكتاب العزيز؟! وهل كانت الحياة الجاهلية المقتبسة من القرآن غير المعاني التي يفصلها هؤلاء العلماء عند تفسير آية تحكي شيئاً من شؤون أولئك الجاهليين، أو ترد عليهم بعض أقوالهم؟.
فعلماء الشرق درسوا الحياة الجاهلية فيما صح من أشعارهم، وفيما يقصه القرآن من أقوالهم وأفعالهم. نعم، هم لم يعرفوا الحياة الجاهلية في الصورة التي سيلفقها المؤلف، ولا يريدون أن يعرفوها إلا أن تنقلب عقولهم شهوات، وعلومهم شكوكاً وتخرصات.
* القرآن لم يات مؤرخاً ولا مادحاً:
قال المؤلف في (ص ١٥): "فإذا أردت أن أدرس الحياة الجاهلية، فلست أسلك إليها طريق امرئ القيس والنابغة والأعشى وزهير؛ لأني لا أثق بما ينسب إليهم، وإنما أسلك إليها طريقاً أخرى، وأدرسها في نص لا سبيل إلى الشك في صحته، أدرسها في القرآن؛ فالقرآن أصدق مرآة للعصر الجاهلي".
احتوى القرآن نبذة من أنباء الجاهلية جاءت في سبيل النعي على بعض عقائدهم الضالة؛ كالشرك بالله، ومبتدعاتهم الخاسرة؛ كعبادة الأوثان، وعوائدهم الممقوتة؛ كوأد البنات، وآرائهم الجامدة؛ كقولهم:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}[الزخرف: ٢٢].
وما جاء عنهم في هذا الصدد لا ينفي أن يكون فيهم ذكاء وبلاغة وحكمة