وفي الساعة الخامسة صباحا تحرك بنا القطار من "باتنة"، ولم يزل يخبُّ ويضع، ويحمل ويضع، حتى ضرب سواد الليل أطنابه، وفي الساعة الثامنة أشرفنا على عاصمة الجزائر، فتراءت لنا مصابيح أنوارها بمنظر أنيق، وأشكال متناسقة، وذلك لأن المدينة قائمة على أكمة مرتفعة يبتدئ العمران من أعلاها، ثم يمتد متدلياً إلى حافة البحر، فيبصر الداخل عند استقبال شوارعها المنورة، وهي طبقات بعضها فوق بعض، رونقاً مليحاً.
وبعد أن اصطفينا محلاً لمقامنا ووضع متاعنا، وتناولنا من الراحة جزءاً يسيراً، تكفأنا نجول في بعفالنواحي، فالتقينا بالسيد علي بن الحداد أحد أعيان تجارها الأفاضل، فبسط علينا من الحفاوة والترحاب رداء ضافياً، ولهذا الفاضل محل تجاري يتسامر فيه جماعة من أعيان العلماء والفضلاء، تعارفنا مع بعضهم في تلك الليلة.
ومن الغد تشرفنا بزيارة الولي الصالح الشيخ سيدي عبد الرحمن الثعالبي (١)، وزرنا بإزائه المدرسة الثعالبية التي تم بناؤها في هذه السنة، وافتتحت باحتفال رسمي يوم الاثنين ١٧ أكتوير، وأسست هذه المدرسة لتعليم الوطنيين العلوم العقلية والنقلية، ومنها يتخرج القضاة والعدول. ثم بعد الزوال بساعة، ذهبت إلى الجامع الجديد، ويقال له: الجامع الصغير، فوجدت
(١) من كبار علماء الجزائر، ولد فيها عام ١٣٨٦ م، وتوفي بها عام ١٤٦٨ م. من مؤلفاته: "الجواهر الحسان في تفسير القرآن".