أقف موقف التأبين لعظيم من أولئك العظماء الذين لا يسمح بهم الزمان إلا في أوقات نادرة، ليكونوا مُثلاً عالية لكمال الإنسان، حتى إذا قدر النبهاء من الناس أقدارهم، وأخذوا ينحون في بناء الشرف نحوهم، ورحلوا إلى دار السلام عند ربهم وغادروا القلوب تحترق أسفًا، والأكباد تتقطع تلهفاً.
لا أستطيع أن أرسم في هذا المقام صورة تمثل أو تكاد تمثل كمال الفقيد من كل ناحية، وإنما هي كلمة أصف بها جانباً من خصاله الحميدة، عسى أن يكون في إلقائها تذكرة لطلاب الفضيلة من أبنائنا الناهضين.
في سنة ١٣٤٠ زرتُ المكتبة الزكية وهي في جناح من دار الكتب المصرية، فلقيت هنالك صاحب السعادة أحمد تيمور باشا، فجرى بيننا تعارف، وسرعان ما انقلب التعارف وداً، وما برح الود ينمو حتى أخصب، وصار الصداقة التي يرتاب في وجودها بعض المتأدبين، ويزعم أنها ثالثة الغول والعنقاء، فإذا تحدثت عن شيء من كمال الفقيد، فإنما أتحدث عما كنت أشهده المرة بعد الأخرى، وأقرؤه في سريرته سافراً لا أجد دون قراءته ساتراً.
(١) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء التاسع من المجلد الثاني.