لا أريد أن أبحث تحت هذا العنوان عن الإنصاف الذي يفسر بالعدل، ويوصف به من ينتصب للحكم بين المتخاصمين، فقد سبق لنا أن تعرضنا لهذا الموضوع في مقال:"القضاء العادل في الإسلام". كما أني لا أريد البحث عن الإنصاف الذي هو خلق يحمل صاحبه على أن يعطي الحقوق المادية من نفسه؛ كأن يعرف الرجل أن هذا المال أو المتاع حق لفلان، فيكفّ يده، أو يرفعها عنه من تلقاء نفسه، لا يخشى سطوة حاكم، أو لومة لائم. فللحديث عن الإنصاف الذي هو تبرئة الذمة من الحقوق المادية مقام غير هذا المقام، وإنما الغرض: البحث عن ضرب خاص من ضروب الإنصاف، وهو أن يقول الرجل صوابًا، فتعترف بأنه محق، أو يحرز خصلة حمد، فتقرّ بها، ولا تنازع من يصفه بها، ولا أجد مانعاً من أن أسمّي هذا النوع من الإنصاف:"الإنصاف الأدبي"، ويقابله من الأخلاق المذمومة:"العناد"، وهو جحود الحق، وردّه مع العلم بأنه حق.
والإنصاف الأدبي من الخصال التي لا ترسخ إلا في نفس نبتت في بيئة صالحة، وارتضعت من ثدي التربية الصحيحة لبناً خالصاً، والجماعة
(١) مجلة "نور الإسلام" - العدد الثالث من المجلد الرابع، الصادر في شهر ربيع الأول ١٣٥٢ هـ - القاهرة.