تلك الشريعة، وحكمة تلك السياسة، فلا بدع أن يكون للإسلام تأثير في آدابهم ومعاملاتهم، وأخلاقهم وسياستهم، ولا سيما بعد أن أبصروا بأعينهم يد النائم في المسجد تتناول تاج كسرى، وتضرب به بين لابتي يثرب، وتطوي سلطان قيصر عن ممالك بعيدة ما بين المناكب. فاجعل مسألة الدين عند العرب يوم أدهشوا العالم أساسًا للبحث عن الفرع الذي تريد أن تبحث عنه من فروع التاريخ، ولا تكن كمؤلف كتاب "في الشعر الجاهلي" من المغالين أو المخطئين.
* الإسلام عقيدة وشريعة ونظام:
ذكر المؤلف أن النبي - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه كانوا بمكة مستضعفين، وأن الجهاد بينهم وبين قريش وأوليائهم كان جدليًا خالصاً، وأن النبي - عليه السلام - كاد يقوم بهذا الجهاد الجدلي وحده، وكان كلما بلغ حظاً من إفحام قريش، انتصر له فريق من قومه حتى تكؤن له حزب ذو خطر، ولم يكن هذا الحزب سياسياً يطمع في ملك، ولا تغلب، ولا قهر، أو لم يكن ذلك في دعوته، وانتهى به الحديث إلى الهجرة.
ثم قال في (ص ٤٩): "ولكنا نستطيع أن نسجل مطمئنين أن هذه الهجرة قد وضعت مسألة الخلاف بين النبي وقريش وضعاً جديداً، جعلت الخلاف سياسياً يعتمد في حَلِّه على القوة والسيف، بعد أن كان من قبل دينياً يعتمد على الجدل والنضال بالحجة ليس غير". وقال: "فليس من شك إذن أن الجهاد بين النيي وقريش قد كان دينياً خالصاً ما أقام النبي في مكة. فلما انتقل إلى المدينة، أصبح هذا الجهاد دينياً وسياسياً واقتصادياً، وأصبح موضوع النزاع بين قريش والمسلمين ليس مقصوراً على أن الإسلام حق أو غير حق،