للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرحلة والتعارف في الإسلام (١)

كان لعلماء الإسلام شغَف بالاطلاع على أحوال الأمم، وحرص على معرفة ما تجدد في العالم من شؤون عمرانية وآراء علمية، ومن أثر هذه الخصلة الفائقة: شدة عنايتهم بالرحلة، ورغبتهم في لقاء أهل الدراية، فكانت الممالك الإسلامية -على سعة مجالها، وبُعْدِ ما بين أطرافها- تتقاذف برجال العلم والأدب، بالرغم عمّا كان في الأسفار من تحمل المشاق، واقتحام الأخطار.

ومن هؤلاء الذين تقلّبوا في البلاد مَن حملوا إلى أوطانهم علماً جماً؛ كأبي الوليد الباجي، وأبي بكر بن العربي، ومنهم من صرفوا عنايتهم إلى وصف ما شهدوه من نظام الدول، وشؤون الأمم، وآثار الحضارة؛ كابن بطوطة، وابن جبير، وخالد البلوي، وبعضهم استقرت به الرحلة في غير وطنه؛ كأبي العلاء صاعد البغدادي، وأبي علي القالي، وَفَدا على الأندلس، وضربا أطناب الإقامة، فانتظما في سلك أدبائها، وازدادت بهما سمعة نهضتها الأدبية نغماتٍ رائقة.

ومما كان يفتح للعلماء طريق الرحلة، ويجعلها أمراً ميسوراً: متانة


(١) مجلة "البدر" - الجزء الثالث من المجلد الثاني الصادر في منتصف ربيع الأول ١٣٤٠ هـ - تونس.