بينما العالم يتخبط في جهل وغواية، فإذا بنور يلوح تحت سماء مكة، وتنبعث أشعته في اليمين واليسار، حتى أخذت بلاد العرب من أطرافها، وضربت في أقاصي الشرق والغرب، فانقلب الجهل إلى علم، والغواية إلى هدى، ذلك هو نور الدعوة التي قام بها أكمل الخليقة محمد بن عبد الله - صلوات الله عليه -.
ترمي هذه الدعوة الصادقة إلى أهداف سامية: إصلاح العقائد، والأخلاق، والأعمال، وتنقية النفوس من المزاعم الباطلة، وتحرير العقول من أسر التقليد، حتى تحت ضياء الحجة، وعلى ما يرسمه لها المنطق السليم.
جاء الرسول الأعظم بهذه الدعوة الشاملة، فكانت مصدر خير، ومطلع حكمة، وقد أيدها الله تعالى بما يضعها في النفوس موضع القبول، ويجعلها قريبة من متناول العقول، ومن أقوى مؤيداتها: الآياتُ القائمة على أن المبلِّغ لها رسول من رب العالمين، وسيرته - عليه الصلاة والسلام - مملوءة بأرقى الفضائل، وأسنى الآداب، وأجلِّ الأعمال، حتى إن الباحث في السيرة على بصيرة ليجدُ في كل حلقة من سلسلة حياته معجزة، ولو استطعت -ولا إخالك
(١) مجلة "لواء الإسلام" - العدد السابع من السنة الأولى الصادر في أول ربيع الأول سنة ١٣٦٧ هـ والموافق ١٢ يناير كانون الثاني ١٩٤٨ م - القاهرة.