مثل أعلى لشجاعة العلماء واستهانتهم بالموت في سبيل الحق (١)
رأى عبد الملك بن مروان أن يدعو الناس إلى مبايعة ابنيه: الوليد، وسليمان بولاية العهد، وكتب فيما كتب إلى والي المدينة هشام بن إسماعيل أن يدعو أهل المدينة إلى هذه المبايعة، ففعل، وأطبق أهل المدينة على البيعة إلا سعيد بن المسيّب؛ فإنه امتنع بعلة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين، فكتب هشام إلى عبد الملك يخبره بأن أهل المدينة بايعوا قاطبة، ولم يأب منهم البيعة إلا سعيد بن المسيّب، فكتب عبد الملك إلى هشام بأنه يأمر سعيداً بالمبايعة، فإن أبى، عرضه على السيف، فإن أصر على عدم المبايعة، جلده خمسين صوتاً، وطيف به في أسواق المدينة.
وصل كتاب عبد الملك إلى هشام، واتصل بهشام ثلاثة من أصدقاء سعيد، وهم: سليمان بن يسار، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله، فأخبرهم هشام بما أُمر به في شأن سعيد، والظاهر أن هشامًا لم يطلعهم إلا على ما أمر به عبد الملك من عرض سعيد على السيف إن امتنع من البيعة، ولم يذكر لهم ما جاء في الخطاب من قتله إذا أصر على رأيه، واستبدال الجلد بالقتل. ارتاع الفقهاء الثلاثة لهذا الخبر، وخشوا أن يصمم سعيد على عدم
(١) مجلة "الهداية الإِسلامية" - الجزآن الثالث والرابع من المجلد الثالث عشر.