أن يتصوروهم في هذا الاتصال الشديد الذي يحاول تخييله إلى قراء كتابه.
* الشعر الإسلامي أرقى من الشعر الجاهلي:
قال المؤلف في (ص ٢١): "وهم يبنون على هذا قضايا ونظريات، فهم يقولون: إن الشعر الجاهلي لم يتأثر بهذه المؤثرات الخارجية التي أثرت في الشعر الإسلامي، لم يتأثر بحضارة الفرس والروم، وأنىّ له ذلك؟! لقد كان يقال في صحراء لا صلة بينها وبين الأمم المتحضرة".
كأنَّ المؤلف ينكر أن يكون الشعر في الإسلام أرقى من الشعر زمن الجاهلية، ويحاول جحود المزية التي امتاز بها شعر الإسلاميين؛ من كثرة إبداع المعاني، والذهاب في الخيال إلى ما تنجذب له الألباب سحراً، وتخفق به الأفئدة طرباً، تلك المزية التي أحرزها الشعر الإسلامي لأسباب من أشدها أثراً هذه المدنية التي انقلب إليها العرب بفضل أدب الإسلام، واختلاطهم بالأمم، وشهود الحواضر حيث يرحلون وحيث يقيمون.
وقد كتب علماء الأدب في وجوه ارتقاء الشعر وأسباب إحكامه وإبداعه، فأجادوا النظر، وأمتعوا البحث. وإليك صفوة ما كتبوا؛ حتى يستبين لك الفصل بين الشعر الجاهلي، والشعر الذي أنشئ في الإسلام.
يهيئ الناشئ إلى إجادة النظم أن يعيش في بقعة جيدة الهواء، أنيقة المناظر، وأن يشب بين قوم انتبذوا في الفصاحة مكاناً قصيًا، "فقلما برع في المعاني من لم تنشئه بقعة فاضلة، ولا في الألفاظ من لم ينشأ بين أمة فصيحة"(١).