وصرف رئيس المستشرقين الأستاذ (هرتمان) همته إلى هذه اللغة، ولفت نظره إلى تتبع آدابها بطلب حثيث من عصابة المستشرقين، فنهض يحرر المقالة تارة، ويلقي المحاضرة تارة أخرى، وانعقدت منذ أشهر لجنة توالي جلساتها في دار الكتب العامة، وتنظر في القسم المؤلف بلهجة عثمانية.
* أخلاق وآداب:
يُعرف الألماني بمتانة العزم، وقلة الانقياد لخواطر اليأس، وكنت طالعت مقالات لبعض أعدائهم الذين لا يثبتون لهم الذكاء الفائق، وسرعةَ الوصول إلى الدقائق، فرأيتهم يسلمون لهم طبيعة احتمال الشدائد، والثبات على الأعمال إلى أن يحرزوا فيها نتيجة، حتى جعلوا مقدرتهم العلمية، أو ما يظهر على أيديهم من المخترعات، إنما هو ناشئٌ عن التجلد والمثابرة على السعي والتجربة.
ورسوخهم في خلق الصبر هو الأساس الذي قام عليه تبريزهم في القوة العسكرية. ولطالما طفت غابات وعرصات حول الثكنات، فرأيت الجندي نائمًا بملابسه الجديدة ووسامه الشرف على فراش من تراب، ولا وسادة له غير ذراعه، أو قطعة من جلمود.
وما برح ملوكهم يحافظون على ما يقوي هذه الخصلة في نفوسهم، حتى بالغ (فريدريك ويلهلم) في الحط من قدر المعارف، زاعماً أنها مدعاة الفشل، وإضعاف مزية الشجاعة، وكان من أثر زعمه هذا: أنه لم يعين لتنمية دار الكتب التي أنشأها أبوه سوى ستة ماركات في السنة. ولما استقلها أهل العلم حينئذ، قال لهم: أليس في خزائنها كثير من الكتب المكررة، فيمكن أن تباع، ويستبدل بها كتب مستحدثة؟!