أريد بالحكمة: الكلام الذي يمنع من الجهل والسفه؛ كالمواعظ، والأمثال النافعة، وهي وليدة الذكاء والتجارب، فإِذا أقبل الذكي على ناحية من نواحي الحياة المدنية؛ كالاقتصاد، وغيره من شؤون الاجتماع، أو الخلقية؛ كالكرم، والشجاعة، ودرسها بذهن حاضر، كانت أقواله فيها أقرب إلى الصواب، وآراؤه فيها أرسخ في الحكمة، ولاسيما ذكياً يقرن النظر بالتجارب العملية، فقلما يقول الجبان كلمة تحمل على الإِقدام في مواقع الخطوب، وقلما يقول البخيل كلمة تحث على الإِنفاق في وجوه الخير.
ولا غرابة في أن تصدر الحكمة ممن لقيَ العلماء، وضربَ في العلوم بسهم، وموضعُ الغرابة أن تخرج الحكمة من أفواه أناس لم ينشؤوا في علم، ولم يُعرفوا بجودة رأي، والحكمة في نفسها فضيلة، والتمسك بها غنيمة، وصدورها من غير ذي علم أو رأي لا يبخس قيمتها، ولا ينقص شيئاً من فضلها، فلا ينبغي للرجل يسمع الكلمة من رجل غير معروف بعلم، أو سداد رأي، فيستخف بها، ويزهد في اقتنائها، قال - صلى الله عليه وسلم -: "الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها، فهو أحقُّ بها"، فالحديث الشريف ينبه على أن الحكمة قد
(١) مجلة "نور الإسلام" - العدد الثامن من المجلد الرابع - الصادر في شهر شعبان ١٣٥٢ هـ.