وقف المؤلف على حد الآية، لم يفهم أكثر من هذا، ولكن الخطاب كان موجهًا إلى قوم بلغهم نبا تلك الحرب، ففهموا أن الأمة التي غلبت الروم هي أمة الفرس، وفهموا أنها ستقع في حرب معها، وبكون الروم هم الغالبين.
فالآية لا تدل بصريحها على أن الحرب وقعت بين الروم وفارس، ولا تدل على أن العرب انقسموا إلى حزبين مختلفين: حزب يشايع الروم، وحزب يناصر الفرس، وهذا كله إنما يذكره المفسرون أخذًا من سبب النزول. إذاً لم يأخذ المؤلف معنى اتصال العرب بالأمم الأخرى من القرآن مباشرة، وإنما أخذه من أيدي المفسرين. إذن يكون القدماء عرفوا هذا المقدار من الاتصال بين العرب وأمتي الروم والفرس، ولم يختص المؤلف في فهم الآية بشيء زائد على ما رووه أو فهموه.
* رحلة الشتاء والصيف:
قال المؤلف في (ص ٢٢): "لم يكن العرب إذن كما يظن أصحاب هذا الشعر الجاهلي معتزلين، فأنت ترى أن القرآن يصف عنايتهم بسياسة الفرس والروم. وهو يصف اتصالهم الاقتصادي بغيرهم من الأمم في السورة المعروفة: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} [قريش: ١، ٢].
وكانت إحدى هاتين الرحلتين إلى الشام حيث الروم، والأخرى إلى اليمن حيث الحبشة أو الفرس".
يدل القرآن على أن لقريش رحلتين: إحداهما في الشتاء، والأخرى في الصيف، ومن وقف على فهم الآية وحدها، لا يدري أين يرحلون في الشتاء، ولا أين يرحلون في الصيف، ومن المحتمل أن تكون رحلتهم إلى