هذا وجه الحاجة إلى القياس في صيغ الكلم واشتقاقها، ولا يخفى عليك - بعد هذا - وجه الحاجة إلى فتح باب القياس في نظُم الكلام، وما يعرض للكلم من نحو التقديم والتأخير، والاتصال والانفصال، والإعراب والبناء، والحذف والذِّكر؛ فإن تباين الأغراض، وتشعب العلوم، وتفاوت عقول المخاطبين، واختلاف أذواقهم، مما يستدعي إطلاق العنان للمتكلمين يذهبون في البيان كل مذهب قيِّم، ويتعلقون منه بكل أسلوب مقبول، حتى يظهر فيهم الخطيب المصقع، والشاعر المفلق، والكاتب المبدع، والمناظر المفحِم، والمحاضر الغوَّاص على الدرر، والعلامة المُجلي للمعاني الغامضة في أجمل الصور.
* أنواع القياس وما الذي نريد بحثه في هذه المقالات؟
تجري كلمة القياس عند البحث في معاني الألفاظ العربية وأحكامها، فترد على أربعة وجوه:
أحدها: حمل العرب أنفسِهم لبعض الكلمات على أخرى، واعطاؤها حكمها لوجه يجمع بينهما، كما يقال: أُعرب الفعلُ المضارع؛ قياساً على الاسم؛ لمشابهته له في احتماله لمعان لا يتبين المراد منها إلا بالإعراب. وإلى هذا أشار الزمخشري في بعض مقاماته بقوله:"ضارعِ الأبرار بعمل التوَّاب الأوَّاب، فالفعل لمضارعته الاسمَ فاز بالإعراب".
وكما يقال: دخلَتِ الفاء خبر الموصول في نحو قولهم: "من يأتيني، فله درهم"؛ قياساً للموصول على الشرط؛ لمشابهته إياه في إفادة العموم.
وكما يقال: نَصبت "لا" النافية للجنس الاسم، ورفعت الخبر؛ قياساً على "إنَّ"؛ لمشابهتها إياها في التوكيد؛ فإن "لا" تأتي لتأكيد النفي، كما