للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التّعاون والتّعاضد (١)

هل يستوى رجل لا يفتأ ينظر بعين التفكر والاعتبار في نظام هذه الموجودات، ويجيل أقداح البحث عن دقائق الحكم السارية فيها سريان الماء في الغصن الرطيب، وآخر نسجت على بصيرته عناكب الذهول والبلاهة، فلا ينظر إلى الإبل كيف خلقت، ولا إلى السماء كيف رفعت، ولا إلى الجبال كيف نصبت، ولا إلى الأرض كيف سطحت؟ حاشا لله. ما بين الذين يعلمون كيف وضع هذا العالم، ويدرون معنى حياة جنسهم الذي استعمره الله فيه، والذين لا يعلمون إلا ظاهراً من صوره المحسوسة، ولا يفقهون إلا اختلافها في الألوان وتفاوتها في الأشكال والمقادير، مثل ما بين الحضيض الأسفل والسموات العلى.

إن من تدرجوا في استقراء أحوال الكون شيئاً فشيئاً إلى أن وقفوا وراء غاية المرتبة الحيوانية، لأوسع براعة في التدبير المتقن لتسوية الطرق التي تتقوَّم بها ماهية الحياة الصالحة، وأطول يداً في تأسيس الدعائم التي يشيِّدون عليها صروح العزة والأبهة. إرسال نظراتك الصادقة في طبقة الحيوان على أكمل وجه وإحاطتك بأطرافها خبراً، يقيم لك على معنى قولهم "الإنسان


(١) العدد الخامس عشر - الصادر في غرة شعبان الأكرم ١٣٢٢.