للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* نقد خرافات في أفواه العجائز:

قال المؤلف في (ص ١٣٠): "وزعموا أن الرجل من الأجيال القديمة كان من الطول والضخامة والقوة، بحيث كان يغمس يده في البحر، فيأخذ منه سمكاً، ثم يرفع يده في الجو، فيشويه في جذوة الشمس، ثم يهبط بيده إلى فمه، فيزدرد شواءه ازدراداً".

يتواضع المؤلف إلى نقد خرافات لم يبق لها أثر إلا في أفواه العجائز حين يؤانسون الأطفال، مرت علينا سنون، وقصة عوج بن عنق أو "عوق" غائبة عنا، لا نلمحها إلا في بعض كتب قديمة تسوقها في معرض الإِنكار، ولم يكن يخطر على بالنا أنها ستحيا بعد أن أقبرت وأصبحت عظاماً نخرة، ثم تتجول في نوادي الأدب إلى أن تشهد محاضرات أستاذ لآداب اللغة العربية في الجامعة.

كتب القدماء في إنكار هذه الأسطورة وأمثالها، وجعلوا هذا من أساطير القصّاص الذين يقولون ما لا يعلمون، قال الفيلسوف ابن خلدون في "مقدمة تاريخه" (١): "وربما يتوهم كثير من الناس إذا نظروا إلى آثار الأقدمين، ومصانعهم العظيمة، مثل: إيوان كسرى، وأهرام مصر، وحنايا المعلقة (٢) وشرشال بالمغرب: أنها كانت بقدرهم متفرقين أو مجتمعين، فيتخيل أجساماً تناسب ذلك أعظم من هذه بكثير في طولها وقدرها؛ لتناسب بينها وبين القدر التي صدرت تلك المباني عنها .. وإنما هذا رأي أولع به القصّاص عن قوم عاد وثمود والعمالقة"، وساق قصة عوج التي تحدث بها المؤلف،


(١) (ص ٢٨٨).
(٢) في حوالي مدينة تونس.