يذهب النظر في بحث الأدب إلى وجوه مختلفة، ومرجع هذه الوجوه إما إلى الألفاظ وتأليفها، وإما إلى المعاني وكيفية تصويرها، وإما إلى غرض غير اللفظ والمعنى، وهو البحث عن الأدب وتاريخ فنونه. وقد اعترف المؤلف بأن الناس تناولوا البحث في الغرضين الأولين، وزعم أنهم لم يتجاوزوهما إلى الغرض الثالث، وسيزعم أنه أول من خاض غماره، ونفض بالنقد غباره. والقائم على العلوم الأدبية يشهد بأن الناس لم يقصروا نظرهم على نقد الشعر من ناحية ألفاظه ومعانيه، بل تجاوزوهما إلى البحث في صلته بمن يعزى إليهم، وسيضطر المؤلف إلى نقل شيء من آثار بحثهم الذي قعدت به الظروف عن أن يتخطاه ويقول صواباً.
* البحث في علم المتقدمين:
قال المؤلف في (ص ٢): "نحن بين اثنين: إما أن نقبل في الأدب وتاريخه ما قال القدماء، لا نتناول ذلك من النقد إلا بهذا المقدار اليسير الذي لا يخلو منه كل بحث، والذي يتيح لنا أن نقول: أخطأ الأصمعي أو أصاب، ووفق أبو عبيدة أو لم يوفَّق، واهتدى الكسائي أو ضلّ الطريق؛ وإِما أن نضع علم المتقدمين كله موضع البحث. لقد أنسيت، فلست أريد أن أقول: البحث، وإنما أريد أن أقول: الشك، أريد ألا نقبل شيئاً مما قال القدماء في الأدب وتاريخه إلا بعد بحث وتثبت، إن لم ينتهيا إلى اليقين، فقد ينتهيان إلى الرجحان".
ما برح الناس في القديم والحديث يبحثون في العلوم ما استطاعوا، ويقلبون أنظارهم في الفنون كيف أرادوا. وليس هناك خطة لا يلوي الباحث عنها، أو حدود لا يتجاوزها. وما على العلماء النقّاد إلا أن يكونوا لهؤلاء