للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آثار السكوت عن الدعوة]

ينزوي العارفون بوجوه الإصلاح، فيرفع البغي لواءه، ويبقى إخوان الفساد يتردّدون على نوادي المنكرات، والبغيُ يضرب على الأمة الذلة والمسكنة، والانهماكُ في المنكرات يميت خصال الرجولة؛ من نحو: الشجاعة، وشدة البأس، والبذل في سبيل الخير. وإذا تفشى وباء البغي والفساد، تداعت الأخلاق الفاضلة إلى سقوط، ونضب ماء الحياء من الوجوه، ووهنت رابطة الاتحاد في القلوب، وتضاءلت الهمم عن معالي الأمور، وقلّت الرغبة في الآداب والعلوم. وما عاقبة الأمة المصابة بالذل والإحجام والجهل والتفرّق وقلة الإنفاق في سبيل البر إلا الدّمار، قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [لإسراء: ١٦]. ومن أكبر الدَّمار الذي تبتلى به الأمم الفاسقة: أن تقع ناصيتها في قبضة خصمها العنيد، وفي التنزيل الحكيم ما يفيد أن لمرتكبي فاحشة الظلم عاقبة وبيلة، هي وقوعهم تحت سيطرة الظالمين، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: ١٢٩].

ولا يحسب الذين ينقطعون عن إرشاد الضالين ووعظ المسرفين، أن إقبالهم على شأنهم، واقتصارهم في العمل الصالح على أنفسهم، يجعلهم في منجاة من سوء المنقلب الذي ينقلب إليه الفاسقون، والذي جرت به