خُلِقَ الناس للاجتماع لا للعزلة، وللتعارف لا للتناكر، وللتعاون لا لينفرد كل واحد بمرافق حياته.
وللإنسان عوارض نفسية؛ كالحب والبغض، والرضا والغضب، والاستحسان والاستهجان، فلو سار على أن يكاشف الناس بكل ما يَعْرض له من هذه الشؤون في كل وقت، وعلى أي حال، لاختلَّ الاجتماع، ولم يخلص التعارف، وانقبضت الأيدي عن التعاون، فكان من حكمة الله في خلقه أن هيأ الإنسان لأدب يتحامى به ما يُحدث تقاطعاً، أو يدعو إلى تخاذل، ذلك الأدب هو: المداراة.
فالمداراة ترجع إلى حسن اللقاء، ولين الكلام، وتجنب ما يشعر ببغض أو غضب أو استنكار، إلا في أحوال يكون الإشعار به خيراً من كتمانه.
فمن المداراة: أن يجمعك بالرجل يضمر لك العداوة مجلس، فتقابله بوجه طلق، وتقضيه حق التحية، وترفق به في الخطاب.
قال سحنون في وصيته لابنه محمد:"وسلِّمْ على عدوك وداره؛ فإن رأس الإيمان بالله مداراة الناس".
(١) مجلة "نور الإِسلام" - العدد الثالث من المجلد الثاني، الصادر في شهر ربيع الأول ١٣٥٠ هـ - القاهرة.