ذكر المؤلف في بدء هذا الفصل: أنه يجب على الباحث أن يتعود درس تاريخ الأمم القديمة؛ ليفهم تاريخ الأمة العربية على وجهه. وقال: إذا كان هناك شيء يؤخذ به الذين كتبوا تاريخ العرب وآدابهم، فلم يوفقوا إلى الحق فيه، فهو أنهم لم يلمّوا إلمامًا كافياً بتاريخ هذه الأمم القديمة، أو لم يخطر على بالهم أن يقارنوا بين الأمة العربية والأمم التي خلت من قبلها.
ثم قال في (ص ٤٣): "والحق أنهم لو درسوا تاريخ هذه الأمم القديمة وقارنوا بينه وبين تاريخ العرب، لتغير رأيهم في الأمة العربية، ولتغير بذلك تاريخ العرب أنفسهم".
الاطلاع على تاريخ الأمم القديمة يفيد في درس تاريخ العرب وآدابهم، وهذا الاطلاع إنما يفيد الباحث الذي يستقبل الحقيقة بنظر مستقل، وقلب خالص من التحيز إلى ناحية، فإن كان المطلع على تاريخ الأمم القديمة يحمل فكرًا غير منتظم، أو كان يحمل للأمة العربية ازدراء وجفاء، كان اطلاعه شراً من عدم اطلاعه، وكذلك حال وسائل الخير إذا وقعت إلى يد لم تكن مستعدة لأن تعمل صالحاً.