للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلمة في المسكرات (١)

يُفضَّل الإنسان على سائر الحيوان بمزية العقل، وتفاضل الناس في مراقي الكمال على قدر تفاوتهم في هذه المزية، وكل شيء يضعف القوة العاقلة، أو يعوقها عما خلقت له من تدبر الآيات، واستكشاف الحقائق، فهو عدو الإنسانية، تجب مدافعته بقدر المستطاع، وتجنبه الليل والنهار.

فالنوم يعطِّل هذه القوة، ويلحق الإنسان بالخشب المسندة، وهو أمر غالب ما له من مرد، ولكن أولي الحكمة لا يخضعون لسلطانه إلا حيث يغلب على أمرهم، ولا يعطونه من الوقت إلا أقل ما تفرضه عليهم البشرية، يبتغون بذلك أن تبقى عقولهم في حركات تثمر علماً نافعاً، أو عملاً صالحاً.

إذا ما مضى يَوْمٌ ولَمْ أصْطَنِعْ يَداً ... ولَمْ أَكْتَسِبْ عِلْماً فما ذاكَ مِنْ عُمْري

وإذا كان من حزم الرجل وحكمته أن يغالب النوم، ولا يأخذ منه إلا بمقدار الحاجة؛ حرصاً على وقته، وتوفيراً لثمرات فكره، فإن الخمر يأتي إلى تلك القوة التي هي أكبر مزية للإنسان، فيعبث بها عبث الريح العاصفة بالغصون الناعمة، ولا تسأل عما ينشأ عن هذا العبث من فساد.


(١) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الخامس من المجلد السابع الصادر في شهر ذي القعدة ١٣٥٣ هـ.