على وضع القصة، وهو أنها صنعت لقريش يوم نهضت نهضتها السياسية القائمة على نهضتها الاقتصادية الدينية، وأخذت تبحث عن أصل قديم يتصل بالأصول التاريخية الماجدة، وقد لبس الكتمان هنا، فلم ينمّ على من أسرّ إلى قريش بهذه الضالة التي قاموا ينشدونها، وقال لهم: إنكم من ذرية إسماعيل ابن إبراهيم. وربما كان هذا من أسرار كتابه التي لا يفضي بها إلا إلى المتعلقين بأذياله، فاسألوهم إن كانوا ينطقون.
* مقابلة الحجة باللغو:
قال المؤلف في (ص ٢٨): "وإذن، فليس ما يمنع قريشاً من أن تقبل هذه الأسطورة التي تفيد أن الكعبة من تأسيس إسماعيل وإبراهيم، كما قبلت "رومة" قبل ذلك، ولأسباب مشابهة أسطورة أخرى صنعها لها اليونان تثبت أن روما متصلة بإينياس بن بريام صاحب طروادة".
يريد المؤلف أن يقابل الجد بالهزل، والحجة باللغو، يريد من هذه الأمم التي تعقل أكثر مما يعقل أن تضع قصة اليونان مع روما في وزان آيات تقوم بجانبها دلائل النبوة المتجلية في حياة أكمل الخليقة من حكمة في التشريع إلى استقامة في الأعمال، إلى بلاغة في الأقوال، إلى عدل في القضاء، إلى رشد في السياسة، إلى صدق اللهجة، إلى صرامة العزم، إلى حسن السمت، إلى رونق الحياء، إلى ما جدع أنف الباطل، إلى ما قوض عروش الجبابرة، إلى ما قلب العالم رأساً على عقب، وموجز القول: أن كل حلقة في سلسلة حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - معجزة؛ فإن أساليب دعوته، ومظاهر حكمته لا يربطها بالأمية وغير الأمية إلا من له الخيرة في أن يمنح البشر ما لا تعهده البشرية.