وإذا كان الشعراء يتفاضلون بمقدار ما يرتسم في نفوسهم من الصور الغريبة، فإن العرب دخلوا بالإسلام في مدنية زاخرة وحضارة منتظمة، ولا يستطيع أحد السبيل إلى دعوى أن اختلاطهم بالأمم، وشهودهم الحواضر بعد الإسلام كحالهما زمن الجاهلية إلا أن يكون معتزلاً الأدب والتاريخ، هو لا يعرفهما، وهما لا يعرفانه.
وإذا كان في شعراء الجاهلية من سافر إلى بعض الحواضر، واتصل بالأمم الأخرى، فذلك لا يجعله بمنزلة الناشئ في مدنية منتظمة؛ إذ الصور الغريبة التي تقع إلى حافظة الناشئ في حضارة ونظام تكون أكثر وأوضح وأبقي.
* اتصال العرب بالروم والفرس:
قال المؤلف في (ص ٢١): "كلا! القرآن يحدثنا بشيء غير هذا، القرآن يحدثنا بأن العرب كانوا على اتصال بمن حولهم من الأمم، بل كانوا على اتصال قوي، قسمهم أحزاباً، وفرّقهم شيعاً، أليس القرآن يحدثنا عن الروم، وما كان بينهم ويين الفرس من حرب انقسمت فيه العرب إلى حزبين مختلفين: حزب يتابع أولئك، وحزب يناصر هؤلاء؟ أليس في القرآن سورة تسمى: سورة الروم، وتبتدئ بهذه الآيات: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ} [الروم: ١ - ٥]؟.
الذي تدل عليه هذه الآيات أن الروم غلبتها أمة في حرب، وأنهم سينتصرون على الأمة التي غلبتهم، ويغلبونها بعد قليل من السنين، وفي اليوم الذي ينتصر فيه الروم على هذه الأمة يفرح المؤمنون بنصر الله. ولو