بالهجاء، ويتخذونه سلاحاً لمحاربة دين الحق، كان من الحكمة البينة أن يكافَح أولئك الهجاؤون بسلاحهم، فأذن الرسول - صلوات الله عليه - لحسّان بن ثابت وغيره أن يجازي تلك السيئة بمثلها، وأخبر أن جبريل يؤيد حسانًا، وكذلك كانت العاقبة للذين انتصروا من بعد ما ظُلموا.
فليس من الصواب أن يخلى السبيل لتلك الأشعار الطاعنة، فتطرق كل أذن، وتحوم على كل قلب، دون أن تقف أمامها قوة تعمل على مثالها، فتكف بأسها، وتنفض عن الصدور وساوسها.
وما مثل تلك الأشعار الغاوية إلا كمثل ما يكتبه دعاة الإباحية اليوم من الطعن في الدين وتقويض بناء الفضيلة، أفيحق لحملة الأقلام الناصحة أن ينزووا في بيوتهم، ويدعوا هذه الطائفة تنفث من سموم غوايتها ما يفتك بالآداب والأعراض؟!.
أما تأييد جبريل لحسّان، فقد أخبر به من قامت الآيات البينات على صدقه، والمؤلف لا ينازع في أن عدم رؤية الشيء ليس دليلاً على عدم وجوده.
* إسلام أبي سفيان:
ذكر المؤلف أن قريشاً جاهدت بالسنان واللسان، والأنفس والأموال، ولكنها لم توفق.
ثم قال في (ص ٥١): "وأمست ذات يوم وإذا خيلُ النبي قد أظلت مكة، فنظر زعيمها وحازمها أبو سفيان، فإذا هو بين اثنتين: إما أن يمضي في المقاومة، فتفنى مكة، وإما أن يصانع ويصالح، ويدخل فيما دخل فيه الناس، وينتظر لعل هذا السلطان السياسي الذي انتقل من مكة إلى المدينة،