ما بال الرجل يعرف مناهج الصلاح، ويبصر طائفة من قومه يتهافتون على عماية، أو يهيمون في جهالة، ولا تنهض به الهمة ليعمل على إفاقتهم من سكرتهم، وإراءتهم معالم فوزهم؟!.
أخذنا نبحث عن منشأ هذا التقصير، وندير النظر في البحث كرتين، فرأينا مدار علته الفاقرة على عشرة أسباب:
١ - المداهنة، فمن أهل العلم من يرى ذا جاه أو رياسة يهتك ستر الأدب، أو يعثو في الأرض فساداً، فيتغابى عن سفهه أو بغيه، ويطوي دونه التذكرة والموعظة ابتغاء مرضاته، أو حرصًا على مكانة أو غنيمة ينالها على يديه. ومن البلية: أن المترفين، ومن بنحو نحوهم في الزيغ والغرور، لا يكتفون ممن يسوقه الزمن إلى نواديهم أن يسكت عن جهلهم، ويتركهم وشأنهم. وإنما يرضيهم منه: أن يزين لهم سوءَ عملهم، أو يرمقهم بعين مكحولة بتبسم الاستحسان، وهو أقل شيء يستحق به في نظرهم لقب كيِّس ظريف!.
والمداهنة خلق قذر، لا ينحط فيه إلا مَن خفَّ في العلم وزنه، أو من نشأ نشأة صغار ومهانة، وهذا تاريخ العلماء الراسخين ناطق بما كان لهم من الإقدام على وعظ الأمراء، والإنكار عليهم إذا أساؤوا التصرف، أو أهملوا.