قال المؤلف في (ص ٤١): "ولكني بعدت عن الموضوع فيما يظهر، فلأعد إليه لأقول ما كنت أقول منذ حين، وهو أن من الحق علينا لأنفسنا وللعلم أن نسأل: أليس هذا الشعر الجاهلي الذي ثبت أنه لا يمثل حياة العرب الجاهليين، ولا عقليتهم، ولا ديانتهم، ولا حضارتهم، بل لا يمثل لغتهم، أليس هذا الشعر قد وضع وضعاً، وحمل على أصحابه حملًا بعد الإسلام؟ أمّا أنا، فلا كاد أشك الآن في هذا. ولكننا محتاجون بعد أن ثبتت لنا هذه النظرية أن نتبين الأسباب المختلفة التي حملت الناس على وضع الشعر وانتحاله بعد الإسلام".
ختم المؤلف الكتاب الأول بهذه الفقرات، وكأنه آنس في نفسه الفوز على "أنصار القديم"، فدارت في رأسه نشوة، وانطلق يمزح معك بقوله:"ولكني بعدت عن الموضوع فيما يظهر". يقول هذا، وهو لا يشعر بما تصنع الأقلام فيما تركه خلفه من آراء منهوبة، ومعان لا توجد إلا في خياله.
يقول المؤلف: إن من الحق علينا أن نسال: أليس هذا الشعر الجاهلي الذي ثبت أنه لا يمثل حياة العرب الجاهليين، ولا عقليتهم، ولا ديانتهم، ولا حضارتهم، بل لا يمثل لغتهم.
ادعى المؤلف فيما سلف أن الجاهليين كانوا في علم وذكاء وقوة عقل فوق ما يمثله هذا الشعر الجاهلي، ولم يفرغ على هذه الدعوى دليلاً غير الآيات الدالة على أنهم كانوا يجادلون النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويحاورونه في الدين، وفيما يتصل بالدين من تلك المسائل المعضلة، التي ينفق فيها فلاسفة أمثال المؤلف حياتهم دون أن يوفّقوا إلى حلها. وقد جاذبناه أطراف المناقشة