للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مدنيّة الإسلام والخطابة (١)

أتى على هذا العالم حين من الدهر، ومعظمه تحت قبضة دولتي الفارسيين والرومانيين، لا يخشون فيه منازعاً ولا يهابون معارضاً، وذلك قبل بعثته عليه الصلاة والسلام بنحو ثلاثة قرون، وانتشبت خلال هذه الأزمنة المستطيلة والآماد البعيدة بين هاتين الدولتين حروب دموية كان شررها مستطيراً، ولم تأخذهم بأبناء جنسهم المُكرَّم رأفة تغل أيديهم عما أرهقوهم به من الخسف والعدوان، وساموهم به من سوء العذاب الذي كانوا يصبُّون صواعقه على رؤوسهم صبّاً متوالياً.

انقسمت دولة الرومان سنة ٣٩٥ مسيحية إلى قسمين: قسم في الشرق، وعاصمته القسطنطينية، وقسم في الغرب وعاصمته روما، وبعد هذا التقسيم بنحو ثمانين سنة، منيت الدولة الرومانية الغربية بغارة شعواء شنتها عليهم البرابرة، اندفعوا عليهم من آسيا اندفاع السيل من عل، فأيقظوا في قارة أوروبا فتنة رمت بشواظها ذات اليمين وذات الشمال، وعاثوا فيها بأضرُب الفساد وأنول البغي، وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك يفعل المتوحشون.

كل ذلك يُفصِّله لك التاريخ بتبيان لا يشوبه غموض، ويذكرك بأيامه


(١) العدد الثالث عشر - الصادر في غرة رجب الأصب ١٣٢٢.