ولم تزل تلك الفتن قائمة على سوقها، والجهالة المظلمة ضاربة أطنابها بمشارق الأرض ومغاربها، إلى أن انفتحت في الحجب المحدقة بأنوار الحضرة المحمدية كوة نفذت منها بوارق لمعت في جزيرة العرب أولاً، ثم انبعثت منها أشعة إلى سائر أطراف المعمورة، فقشعت ببهرتها سحائب الهجمية الغالبة، وأخمدت نيران الضلالة المرهقة، وإن المنصفين من مؤرخي الإفرنج على ذلك لمن الشاهدين. قال أحد فلاسفتهم وكتّابهم "شارل ميسمر" في كتابه "تذكار العالم الإسلامي": "الإسلام أفاد العالم، فيلزم أوروبا أن تحافظ على حياة أهله".
وقال المسيو "دروي" أحد وزراء معارف فرنسا السابقين في كلامه على الأمة العربية -نقلته إحدى المجلات المصرية-: "وبعد ظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي جمع قبائل العرب أمة واحدة تقصد مقصداً واحداً، ظهرت للعيان أمة كبيرة، مدت جناحها من نهر تاج في إسبانيا إلى نهر الغانج في الهند، ورفعت على الإشادة أعلام التمدن في أقطار الأرض أيام كانت أوربا مظلمة بجهالات أهلها في القرون المتوسطة"، ثم قال:"إنهم كانوا في القرون المتوسطة مختصين بالعلوم من بين سائر الأمم، وانقشعت بسببهم سحائب البربرة التي امتدت على أوروبا حين اختل نظامها بفتوحات المتوحشين، ورجعوا إلى الفحص عن ينابيع العلوم القديمة، ولم يكفهم الاحتفاظ على كنوزها التي عثروا عليها، بل اجتهدوا في توسيع دائرتها، وفتحوا طرقاً جديدة لتأمل العقول في عجائبها".
ولعلك بعد أن تصغي إلى هذه الشهادة التي لا تختلج بريبة، تنفث في