وشيء من مكارم الأخلاق؛ لأن القرآن لم ينزل لتمجيدهم، أو ليكون مرآة لحياتهم، وإنما هو كتاب نزل لتقويم العقائد، وتهذيب الأخلاق، وتنظيم الصلة بين الخالق والمخلوق، وإماطة الأذى عن طريق الحياة الاجتماعية الراقية. وهذا يستدعي توجهه إلى ما في الأمم من نقص ليكمله، أو فساد ليصلحه، وهذا يقتضي ألا يعرج على ما يدل أو يشعر بشيء من محاسن العرب إلا قليلاً.
فالمقتصر في تاريخ العرب قبل الإسلام على القرآن إنما يأخذ صورة خالية من تلك المزايا التي لم يهملها القرآن إنكاراً لها، وإنما سكت عنها؛ لأنه لم يأت مؤرخاً ولا مادحاً. فدعوى أن القرآن يمثل "حياة جاهلية قيمة مشرقة" إنما يهجم عليها من لا يدري أن للمباحث العلمية وقاراً ترتجف أمامة كل لاغية.
* شعراء عصر النبوة:
قال المؤلف في (ص ١٦): "وأدرسها في شعر هؤلاء الشعراء الذين عاصروا النبي وجادلوه".
الشعراء الذين شهدوا عصر النبوة أربع طوائف، منهم من كان يهجو النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو يحثّ على محاربته، وهذه الطائفة صنفان: صنف استمر بحالته الجاهلية؛ كأبي عزة الجمحي، وصنف عاد إلى الإسلام؛ كعبد الله ابن الزبعرى.
ومنهم من لم يسمع عنه شعر في هجاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو الإغراء عليه، وهذه الطائفة صنفان أيضاً: صنف لبس هدى الإسلام؛ كحسان بن ثابت، وصنف لم يعرف له إسلام؛ كالأعشى ميمون بن قيس.